اعتنق
الميزابيون المذهب الإباضي منذ القرن الرابع الهجري استجابة إلى دعوة محمد
الفرسطائي , و الذي انتدبه حملة العلم الإباضيون إلى المغرب ليقوم بدعوة
بني ميزاب إلى اعتناق المذهب مثلما دعوا الكثيرين من سكان المغرب .
و لا يخفى في الوقت الحالي , أن هذا المذهب المعتدل , يتعرض إلى هجمات و
ادعاءات و تهم و شبهات باطلة , لا أدلة دامغة , و لا أساس لها, كل هذا
يمارس من طرف أشخاص , جعلوا أنفسهم أوصياء على تفريق الأمة , و إلصاق
الشبهات بأبرياء منها , حتى و صلوا إلى أن ادعوا أن الإباضية فرقة ضالة ,
و أنها من فرق الخوارج , و أنا أحاول هنا أن أوضح لكم كذب هذه الشبهات , و
أقدم لكم هذا المذهب على صورته الصحيحة , و على أنه المذهب الحق , مذهب
أهل الدعوة و الإستقامة و الإعتدال , راجيا أن أساهم و لو بقسط قليل في
تصحيح الصورة المشوهة التي قدمه بها خصومه في الماضي و الحاضر , و سنتناول
كل ذلك في العناصر الموالية.
المذهب الإباضي أول المذاهب ظهورا ,
و أعدلها فقها , و أوسطها عقيدة , إمامه هو
جابر بن زيد الأزدي , الذي درس و أخذ العلم على
الصحابة رضوان الله عليهم
.
ينتشر المذهب الإباضي في وادي ميزاب , و في عمان , و جزيرة زنجبار , و جربة بتونس , و في ليبيا
.
تمارس عدة تهم و شبهات باطلة اليوم على هذا المذهب , من أشهرها أنهم خوارج
, و كل تلك التهم باطلة لا أساس لها من الصحة ,
ابتدعها بعض الحمقى الذين جعلوا هدفهم تفريق الأمة
الإسلامية , و توسيع الفجوة بين الإباضية , و بين إخوانهم
المسلمين , فالاختلاف سنة الله في خلقه , حتى نجد الرسول
(ص) يقول في حديثه الصحيح : ( خلاف أمتي رحمة ) ,
فكيف يعتبر هؤلاء الإختلاف , ضلالا و خروجا عن
الدين ؟ , لكن الإباضية ملتزمون سلوكا و عملا , و لا يردون بالمثل , إلا
أنهم يرجون أن يعود هؤلاء إلى رشدهم
,
و أن يحترم كل
مجتهد رأي الآخر , في ظل تعاليم الدين الحنيف.
لما وقعت معركة صِفَّين بين الإمام علي بادر جذور الإباضية الأولون إلى
مناصرة الإمام علي في حرب صفّين ضد معاوية و سقط في الميدان إلى جانبه عدد
من كبار الصحابة المشهود لهم بالجنة كعمار بن ياسر , و بادروا إلى التصريح
في وجه حملة المصاحف بقولهم : و به قاتلناكم , و إنها خدعة كما تفطن لها
الإمام علي نفسه لولا أن رجع إليها أخيرا . و بادروا إلى نصحه في دسيسة
التحكيم و ألحوا عليه لرفض قبوله , و لما أصر على قبول التحكيم و أراد
تعيين أبي موسى نصحوه بأنه لا يليق و طلبوا بإلحاح تعيين ابن عباس
حكما في جنبه مقابل عمرو بن العاص الكفؤ الداهية حكم معاوية , و لكنه رضخ
إلى الغوغاء فلم يقبل ابن عباس حكما لدعوى أنه من الموليين على قتل عثمان
و أصر على تعيين أبي موسى الأشعري الذي لا يوازي عمرا في الدهاء
و المكر و الكيد , و تأثر بعرض المصاحف على الرماح و إن كان هو يراه أول
الأمر خدعة و تقبل تحكيم الرجال في أمر سبق فيه حكم الله نصا صريحا من فوق
سبع سماوات و غلب على أمره فلم يقبل بابن عباس حكما بجانبه إزاء عمرو بن
العاص حكم معاوية و بدلا من ذلك قبل أبا موسى الأشعري.
و بعد ما رأى أصحابه أنهم في حل من بيعته لخلعه نفسه بقبول التحكيم و
بقائهم بلا إمام بعد كل هذا رأو أنه لابد من إمام يخلفه في أمورهم فعرضوها
على كبارهم واحدا واحدا فأبوها إلا الإمام عبد الله بن وهب الرّاسبي
الأزدي , قبلها قائلا : ما أخذتها رغبة في الدنيا و لا أردها فرقا من الموت
. فانحازوا عندئذ إلى النهروان و بعد أن هم الإمام علي بالذهاب إلى الشام
لقتال معاوية الباغي صرفه الأشعث بن قيس إلى النهروان آمرا إياه بقتال
الوهبية هناك . فصرف جنده إلى النهروان لنصيحة الأشعث بن قيس ظاهرا , و لكن
لسر في نفسه لأنه يرى أن الإمام عبد الله الراسبي أزديا غير قرشي , و هو
يرى كمعاوية أن الإمامة في قريش , فإذا انتقلت ذهبت عنهم إلى الأبد , فقام
بحملته على النهروان قبل أن يتقوى أمرهم ,لكه ندم على ذلك أشد الندم حتى
قال لمولاّه قنبر لما سأله عن سبب بكائه الطويل: ويحك , صرعنا خيار هذه
الأمة و قراءها .
بعد ذلك , هرب من بقي منهم إلى البصرة و اتخذوها مقرا لهم , حتى ظهرت فئة
منهم , يكفرون مرتكب الكبيرة و يستحلون دماء أهل التوحيد ..... , سمّوا
بالخوارج , فقال الإمام الربيع بن حبيب لأتباعه : دعوهم حتى يتجاوزوا القول
إلى الفعل , فلما تجاوزا ذلك إلى الفعل , طاردوهم الإباضية , و تبرأوا
منهم , و أظهروا عداوتهم الشديدة لهم , لكن الكثير من المؤرخين تحدثوا بضم
الإباضية إلى الخوارج .
1- الإمام جابر بن زيد :
يعتبر
جابر بن زيد الإمام الأول للإباضية والمؤسس الحقيقي للفكر والمذهب الإباضي.
وهو من أبرز علماء النصف الثاني من القرن الأول الهجري، فقد ولد ما بين
عامي 18-22 هجرية في بلدة فرق في منطقة تسمى الجوف في نزوى عاصمة المنطقة
الداخلية في عُمان وفيها نشأ وترعرع قبل أن ينتقل إلى البصرة لطلب العلم.
1- شيوخه :وفي البصرة أخذ يتزود بالعلم
والمعرفة وخصوصا ما يتعلق بعلوم القرآن والحديث وما يتصل بهما وقد تتلمذ
على أيدي كثير من الصحابة والتابعين وأخذ عنهم الحديث والتفسير واللغة
والأدب. ومن أبرز الصحابة الذين أخذ عنهم عائشة أم المؤمنين، وعبد الله بن
عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وأنس بن مالك، وأبو هريرة،
وأبو سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله وغيرهم. اشتهر بالحرص الشديد في طلب
العلم فكان يكثر من الأسفار في سبيل ذلك، وكان ينتهز موسم الحج للقاء
الصحابة والعلماء، فقد ذكر الدرجيني أنه كان يحج كل سنة، وكانت له ناقة
سافر عليها أربعة وعشرين سفرة ما بين حجة وعمرة.
عاش في زمن الحسن البصري وعمرو بن دينار، وكان صديقا حميما للحسن البصري
حتى أنه سئل عند موته ما تشتهي قال (إني لأشتهى رؤية الحسن البصري قبل أن
أموت) فجيء له بالحسن البصري.
2- مكانته العلمية:روى أبو نعيم في الحلية
أقوالا لكثير ممن عاصروه تشيد بمكانته العلمية وزهده في الدنيا ومن ذلك ما
قاله عمرو بن دينار وهو أحد علماء التابعين : (ما رأيت أحدا أعلم بالفتوى
من جابر بن زيد)، وكان إياس بن معاوية وهو قاضي البصرة في عهد عمر بن عبد
العزيز يقول : (أدركت أهل البصرة ومفتيهم جابر بن زيد). أما ابن عباس فكان
يقول : (لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علما عما في
كتاب الله)، كما وصفه ابن عمر (أنه من فقهاء البصرة البارزين) بينما قال
عنه قتادة: (إنه عالم العرب) . ويصفه أبو نعيم الأصبهاني بقوله : (كان
للعلم عينا معينا، وركنا مكينا، وكان إلى الحق آيبا، ومن الخلق هاربا) , و
كان ابن عباس يقول للذين يستفتونه من أهل البصرة : ( أتستفتونني , وجابر
فيكم ؟ )
كما قال فيه أنس بن مالك خادم رسول الله (ص) لما توفي : ( مات اليوم أعلم
من في الأرض ).
كما ذكره ابن القيم في أعلام الموقعين بعد ما ذكر المفتين من الصحابة ذكر
المفتين من التابعين فابتدأ بالمدينة وفقهائها، وثنى بمكة المكرمة وفقهائها
ثم ثلّث بالبصرة وذكر من فقهائها المفتين جابر بن زيد.
ولذلك يعتبر جابر بن زيد من أبرز علماء البصرة في عصره وأجمع علماء الحديث
على عدالته وضبطه. فقد روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي
ومجموعة من المفسرين. ووردت إشارات بمكانته العلمية عند السيوطي وابن حجر
وقال عنه ابن تيمية بأنه أعلم الناس في زمانه.
ونظرا لهذه المكانة العلمية لجابر بن زيد فلم يستطع أحد أن يقدح فيه إلا أن
بعض المؤرخين أنكروا علاقته بالإباضية واستندوا على روايات ضعيفة أو مكذوبة
تقول بأنه تبرأ من الإباضية قبل موته، واستند كل متحامل على الإباضية على
هذه الروايات ليبعد الإباضية عن جابر بن زيد. ومنهم من قال بأن جابر بن زيد
المحدث والتابعي المشهور غير جابر بن زيد شيخ الإباضية. وقد قام الدكتور
عوض خليفات في كتابه " نشأة الحركة الإباضية" بالرد على هذه الشبهات
وتحليلها وانتهى إلى القول : (بعد هذا العرض والتحليل يبدو أن إنكار جابر
لعلاقته بالإباضية كما توردها بعض المصادر السنية إنما اخترعت من بعض رواة
السّنة الذين يرون جابر شيخا جليلا ومحدثا ثقة، وبالتالي فيجب عدم إلصاق
تهمة الإباضية به حتى يعتبر مجروحا، وخاصة أن نقدة الحديث قد رفضوا روايات
"أصحاب البدع"، ثم قال يتضح مما سبق أن جابر بن زيد كان وثيق الصلة بالحركة
الإباضية منذ وقت مبكر، وكان له دور كبير في تنظيم الحركة وتطورها.
3-دور الإمام جابر السياسي والدعوي :استمر
جابر بن زيد يدعو إلى الإلتزام بالدين الإسلامي بالحكمة ويندد بالمنحرفين
عنه بهدوء دون إثارة شغب أو دعوة إلى الثورة فكان يواجه الانحراف في الفكر
والسلوك الذي ظهر في تلك الفترة، فقد عاش في فترة اتسمت بالبطش والظلم في
البصرة منذ أن تولي العراق عبيد الله بن زياد إلى أن جاء الحجاج بن يوسف
الثقفي. ومع التزامه الحكمة في الدعوة إلا أنه لم ينج من بطش الحجاج فسجنه
فترة ثم نفاه إلى عُمان.
كان يصلي الجمعة خلف زياد بن أبيه وولده عبيد الله وخلف الحجاج وعاتبه
أصحابه حضور الصلاة خلف الحجاج فقال إنها صلاة جامعة وسنة متبعة.
والذي بين أيدينا من آثاره العلمية : كتاب النكاح وكتاب الصلاة وكثير من
الروايات عن تلميذيه عمرو بن هرم وعمرو بن دينار بالإضافة إلى حديثه الذي
جمعه الربيع بن حبيب في مسنده, هذا بالإضافة إلى مراسلاته مع تلاميذه أمثال
سالم بن ذكوان وطريف بن خليد والحارث بن عمر وعبد الملك بن المهلب وغيرهم.
كما أن الأخبار التي وصلتنا تذكر أن الإمام جابرا ألف كتابا ضخما في
الحديث والفقه سمي بديوان جابر تعرض فيها لمسائل الأحكام وضمنه الأحاديث
التي رواها عن الصحابة والتابعين. وكان لهذا الكتاب قيمة كبرى لما فيه من
علم وهدى، ولقربه من عصر النبوة ولأخذه من أفواه الصحابة رضوان الله عليهم.
وبقيت هذه النسخة في حوزة تلميذه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة ثم توارثها
أئمة الإباضية في البصرة إلى أن استقرت في مكتبة بغداد التي أحرقها التتار
فيما بعد.وبناء على هذه المعلومات نستطيع أن نقرر بأن الإباضية كانت من أول
المدارس الإسلامية التي عنيت بتدوين الحديث ولعل بعض المؤلفات التي لا تزال
مخطوطة والمروية عن جابر بن زيد هي قطع من هذا السفر الكبير.
4- أخلاقه :لم يكن جابر ابن زيد ممن يجمع
الأموال، بل تدل الأخبار على أنه كان قنوعا عفيفا، متواضعا، زاهدا في
الدنيا، مقبلا على الآخرة. يروى أنه قال سألت ربي ثلاثا : امرأة مؤمنة
وراحلة صالحة ورزقا كفافا فأعطانيهن. وقال يوما لأصحابه: ليس منكم أغنى مني
ليس عندي درهم ولا علي دين. وقد قال في حقه ابن سيرين: كان أبو الشعثاء
مسلما في الدينار والدرهم.
5- وفاته:
- وقد توفي الإمام جابر في سنة 93 هـ على أرجح الروايات واستلم
قيادة الإباضية بعده الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة.
2-الامام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة:
يعتبر أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة الإمام الثاني للإباضية، وقد أصبح مرجع
الإباضية دون خلاف بعد جابر بن زيد. ولد في حوالي 45 هجرية. كان مولى لعروة
بن أدية التميمي (أخو أبي بلال). ويكني أبوعبيدة بابنته عبيدة التي أخذت
العلم عن والدها فرُويت عنها آثار في كتب الفقه الإباضي فيما يتعلق بأخبار
النساء، أما والد أبي عبيدة وهو أبو كريمة فقد كان معاصرا للإمام جابر بن
زيد. عاش أبو عبيدة في البصرة واشتهر بالتقوى والزهد والورع وكان له جهد
كبير في تنظيم الدعوة والدعاة كما كان له الفضل في انتشار الإباضية في
مختلف الأمصار، وهو أشهر علماء الإباضية في تلك المرحلة من مراحل تاريخ
الإباضية والتي كانت تعرف بالكتمان. يصفه البدر الشماخي في كتاب
السير فيقول عنه. تعلم العلوم وعلمها، ورتب روايات الحديث وأحكمها، وهو
الذي يشار إليه بالأصابع بين أقرانه ويزدحم لاستماع ما يقرع الأسماع من
زواجر وعظه وقد اعترف له بحوز قصب السبق في العلوم واعترف مع ذلك بضيق
الباع مع ما هو عليه من الاتساع.
1- شيوخه :درس أبو عبيدة على يد جابر بن
زيد وصحار العبدي وجعفر بن السماك، قال أبو سفيان أكثر ما حمل أبو عبيدة عن
جعفر بن السماك وعن صحار. كما أدرك كثيرا من الصحابة وأخذ عنهم، ويعتبر
الإمام أبو عبيدة من التابعين حسب اصطلاح الباحثين في علم الحديث لأنه أدرك
كثيرا من الصحابة ممن أخذ عنهم جابر بن زيد منهم : أبو سعيد الخدري (ت 74
هـ)، وأنس بن مالك (ت 93 هـ)، والبراء بن عازب (ت 72هـ)، وجابر بن سمرة (ت
74هـ)، وجابر بن عبد الله (ت 78هـ)، ورافع بن خديج (ت 74هـ)، وسهل بن سعد
(ت91هـ)، وعبد الله بن عباس (ت 68هـ)، وعبد الله بن عمر (ت 74هـ) وغيرهم.
روي أنه أدرك من أدركه الإمام جابر من الصحابة وقد رويت عنه أحاديث في
المسند عن جماعة من الصحابة
2- تلاميذه:تولى التدريس بعد الإمام جابر،
مدة أربعين سنة فأخذ عنه العلم خلق كثير، رغم ما ابتليَ به من مضايقة،
وتشديد. فقد سُجن مع زميله ضمام بن السائب وبقي في السجن إلى أن مات الحجاج
سنة 95 هـ .وقد اضطر تحت ضغط الظالمين أن يقوم بالتعليم مستترا، وأن يخفي
مدرسته عن الأنظار. وقد اشتهر بلقب القفاف، لأنه كان يشتغل بصنع القفاف،
وهي حرفة شريفة، كان يرتزق منها هو وتلاميذه رزقا شريفا حلالا، فبعد خروجه
من السجن اتخذ مدرسته في سرداب خفي طويل ووضع على مدخله سلاسل من الحديد،
فإذا سمع صلصلتها هو وطلابه علموا أن غريبا يريد الدخول، فأوقفوا الدرس،
واشتغلوا بصنع القفاف، فلا يشتبه الزائر في أمرهم، فإذا غادرهم وأمنوا من
عيون الظلمة، رجعوا إلى ما كانوا عليه. ورغم هذه الظروف الصعبة, فقد تخرج
من هذا السرداب عدد كبير من الطلبة حمل العلم والهداية إلى مختلف البلدان.
3- أخلاقه :كان أبو عبيدة شديد الاحتياط
في الدين وخصوصا فيما يتعلق بالطهارة والعبادات لدرجة أن خيار بن سالم أحد
أصحابه قال له يوما: لو كنت نبيا ما أجابك أحد.أنت تشدد على الناس، وكان
يشدد على نفسه كثيرا فلما سمع حيان الأعرجوهو أحد معاصريه بإحدى فتاويه
المتشددة فقال : لقد أشقانا الله في ديننا لو كان الأمر كما يقول أبو
عبيدة. ولعل علماء الإباضية الأوائل بنوا قواعد المذهب على مبدأ الاحتياط
الذي ألزم به أبو عبيدة نفسه.
فمن ورعه ما رواه صاحب السير عن أبي سفيان قال : خرج أبو عبيدة ذات مرة
حاجا مع سابق العطار فبيما هما نازلان إذ وقفت عليهما اعرابية بلبن وسمن
وجدي فاشتراها سابق بقرورة خلوق وقلادة فجاء باللبن إلى أبي عبيدة فقال أخر
عنا لبنك يا سابق كم ثمن القلادة قال نحو دانق وكذا القارورة ويحك إتما
الغبن للعشرة إثنان أو خمسة للعشرة وللدرهم درهم قال وأما مثل هذا فلا
فأرسل سابق الى الاعرابية فقال لها أبو عبيدة كم ثمن اللبن عندكم قالت لا
ثمن له قال وثمن الجدي والسمن قالت اربعة دراهم فأخرج سابق أربعة دراهم
فدفعها إليها، قال أبو عبيدة هات الآن لبنك يا سابق (ورع أبوعبيدة)
4- دور الإمام أبي عبيدة السياسي والدعوي :لعبت
البصرة في القرنين الأول والثاني للهجرة دورا مهما في الإسلام، فكانت مركزا
علميا بارزا، وملتقى للثقافة والمعرفة، وعاصمة لنشأة مختلف العلوم
الإنسانية. وقد بلغت الحركة الإباضية في عهده مبلغا عظيما من الانتشار ودقة
التنظيم.
يقول الدكتور عوض خليفات في كتاب " نشأة الحركة الإباضية’" وهو يتحدث عن
أبي عبيدة ( كان أبو عبيدة عالما فذا من علماء الإباضية الأوائل وفقهائهم
البارزين كما كان يتمتع بقدرة سياسية بارعة وأفق واسع مما ساعده على تنظيم
الدعوة الإباضية في مرحلتها السرية بشكل دقيق وذكي. ولا غرو بالتالي أن
يعظزو المؤرخون اليه الفضل الأكبر في نمو حركتهم وانتشارها في أقطار
إسلامية كثيرة خارج البصرة.
وقد بدأ أبوعبيدة زعامة أهل الدعوة بعد موت الحجاج عام 95 هجرية واتفق ذلك
مع بداية حكم سليمان بن عبد الملك الذي كان على علاقة وثيقة مع المهالبة
زعماء الأزد الذين انضموا الى الاباضية بأعداد وفيرة.
وخلال هذه الفترة التى امتدت من إلى نهاية خلافة عمر بن عبد العزيز تميزت
العلاقة بين الإباضية وا لأمويين بنوع من الهدوء استغل أبو عبيدة ومشائخ
الإباضية هذه الفرصة لتنظيم أمورهم وتربية أتباعه فكانت له مجموعة من
المجالس يرتادها أبتاعه منها مجالس عامة لكافة المسلمين ومجالس خاصة
بالمشايخ ومجالس خاصة لحملة العلم وهذه المجالس الأخير خاص بأعداد الدعاة
وإرسالها الى مختلف الأمصار.
5- وفاته:توفي الإمام أبو عبيدة سنة 150
هـ في عهد أبي جعفر المنصور، وتولى الربيع ابن حبيب إمامة الإباضية من بعده
في البصرة. يروى أن أبا جعفر المنصور قال عندما سمع بموت أبي عبيدة: ذهبت
الإباضية. وقد عمّر أبو عبيدة عمرا طويلا حتى رأى آثار جهده وتربيته الذي
نتج عنه إمامتين واحدة بالمشرق وأخرى بالمغرب.
3-الربيع بن حبيب الفراهيدي:
ولد في منطقة الباطنة في عُمان في النصف الثاني من القرن الأول الهجري ما
بين سنتي 75-80 هـ . نشأ في عُمان وبها أمضى طفولته ثم سافر إلى البصرة
التي كانت تغص بالعلماء في ذلك الحين وبها أخذ علوم التفسير والحديث والفقه
وبرع فيها حتى صار من العلماء المعدودين في البصرة ، وبذلك استحق أن يخلف
شيخه أبا عبيدة في رئاسة الدعوة الإباضية في البصرة.
1-شيوخه :من أهم شيوخه الإمام أبو عبيدة
مسلم وهو أكثر من لازمه وروى عنه، وقد ذكر بعض المؤرخين أنه أدرك الإمام
جابرا وهو شاب وأخذ عنه العلم كما تلقى العلم عن ضمام بن السائب وأبي نوح
صالح الدهان. فقد ورد عنه قوله: أخذت الفقه من ثلاثة: أبي عبيدة، وأبي نوح،
وضمام. وبالإضافة إلى هؤلاء فقد تتلمذ على كثير من التابعين الذي عاشوا في
تلك الفترة أمثال: قتادة وعمرو بن هرم وحماد بن سلمة وغيرهم.
2- تلاميذه:أخذ عن الإمام الربيع جماعة من
الطلبة لعل أشهرهم ما أطلق عليهم حملة العلم إلى المشرق: منهم المؤرخ
المشهور محبوب بن الرحيل، وموسى بن أبي جابر الأزكوي، والشيخ بشير بن
المنذر، وأبو صفرة عبد الملك بن أبي صفرة، ومنير بن النير الجعلاني، ومحمد
بن المعلى الكندي، وأبو أيوب وائل بن أيوب الحضرمي، وهاشم بن غيلان ،
وغيرهم كثير.
3-مكانته الاجتماعية والعلمية:المصادر
القليلة التي تناولت حياة الربيع بن حبيب تجمع على أنه كان يتمتع بمكانة
مرموقة ومنزلة عالية في الأوساط الإباضية في المشرق والمغرب. وقد نال تلك
المنزلة بما حباه الله تعالى به من الورع والتقوى والعلم والعمل لما فيه
خير المسلمين ويدل على ذلك ما يلي:
قال أناس من أهل البصرة انظروا لنا رجلا ورعا قريب الإسناد حتى نكتب عنه
فنظروا فلم يجدوا غير الربيع بن حبيب.
عندما مرض شيخه أبو عبيدة بعثه مع وفد الحج مكانه.
لما وقع الخلاف بين الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم والذين أنكروا
إمامته رضي الفريقان الربيع بن حبيب حكما بينهما فكتبوا إليه وكتب إليهم
بالرد.
وقد رأى
الربيع في أول عهده بالبصرة ما لاقاه ويلاقيه جابر بن زيد وتلاميذه وأتباعه
وغيرهم من العلماء: كالحسن البصري ،والشعبي وسعيد بن جبير، من عنت الحجاج
بن يوسف الثقفي وجبروته وقسوة أعوانه وشدتهم، ما ملأ نفسه كراهية لأولئك
الحكام المستبدين، إلا أنه سلك طريق شيخيه أبي الشعثاء وأبي عبيدة في تجنب
أي احتكاك بالسلطة طيلة تلقيه الدراسة، إذ أنّ كل المصادر التي تحدثت عنه
لم تُشر إلى اضطهاده أو إصابته بأذى، مما جعله يتفرغ إلى تحصيل العلم حتى
صار علما من أعلام الفكر وراوية من رواة السّنة، وعاملا من علماء الفقه
مما جعل أبا عبيدة يقول عنه " فقيهنا وإمامنا وتقينا وأميننا وثقتنا".
آثاره:من آثار الإمام الربيع مجموعة من
الأقوال والفتاوى والفقه متناثرة في كتب الإباضية ومن آثاره المجموعة: كتاب
"آثار الربيع" الذي رواه عن شيخه ضمام بن السائب عن جابر بن زيد مقطوعا وهو
عبارة عن مجموعة فتاوى للإمام جابر بن زيد. وقد قام بجمعها أبو صفرة عبد
الملك بن صفرة. وهذا الكتاب لا زال مخطوطا.
ومن أهم آثاره كتاب "المسند" ويطلق عليه الإباضية "الجامع الصحيح"، وهو
مطبوع ومتداول.
كان المسند في أول أمره مخطوطا, ولم يكن مرتبا أو مصنفا على نحو موضوعي،
وإنما كان مرتبا على طريقة المسانيد حتى جاء أبو يعقوب يوسف الوارجلاني (من
وارجلان بالجزائر) فأعاد ترتيب الأحاديث على نحو موضوعي على طريقة الجوامع
فقام بجمع الأحاديث على حسب أبواب الفقه المعروفة على النحو الذي وصل
إلينا. والمسند المتداول اليوم مقسم إلى أربعة أجزاء. الجزءان الأول
والثاني هما أصل الكتاب وفيهما 750 حديث تقريبا. أما الجزءان الثالث
والرابع فقد ضمهما إلى المسند الأصلي المرتب أبو يعقوب الوارجلاني. فمما
جاء في الجزء الثالث آثار احتج بها الربيع على مخالفيه في مسائل مختلفة من
الاعتقاد وغيرها. وعدد هذه الآثار مائة وأربعون (140). وأما الجزء الرابع
فيشمل روايات محبوب بن الرحيل القرشي عن الربيع بن حبيب وروايات الإمام
أفلح بن عبد الوهاب الرستمي عن أبي غانم بشر بن غانم الخراساني ومراسيل
جابر بن زيد. وعدد هذه الروايات مائة وثلاثة وعشرون (123) وقد قام الأستاذ
محمد إدريس بتخريج أحاديثه ومقارنتها بما ورد في كتب السنة الأخرى.
وللمسند عدة شروح أهمها وأحدثها شرح الشيخ عبد الله السالمي رحمه الله وهو
من علماء عُمان ( المتوفى سنة 1332 هـ/1914م).
وفاته:توفي الإمام الربيع ما بين سنة 171
و180 هجرية ودفن في عمان، وقد صلى عليه تلميذه موسى بن أبي جابر الأزكوي.
وبذلك يكون قد عاش أكثر من تسعين عاما قضاها في التربية ونشر العلم وقيادة
الدعوة التي رسم منهجها الإمام جابر والإمام أبو عبيدة رحمهم الله جميعا.
4-الامام
عبد الله بن اباض:
ينتمي إلى قبيلة تميم التي كانت تسكن في البصرة وهي القبيلة التي منها
الأحنف بن قيس المشهور بحكمته وحسن تصرفه. لا يعرف تاريخ مولده ولا تاريخ
وفاته بالتحديد ولكنه أدرك معاوية بن أبي سفيان وهو شاب وعاش إلى زمن عبد
الملك بن مروان. وبذلك يكون قد عاش في نفس الفترة التاريخية التي وجد فيها
أبوبلال وجابر بن زيد ونافع بن الأزرق وقد ظهر عبد الله بن إباض على مسرح
الأحداث بعد موت أبي بلال ويبدو أنه كان من جماعته إلا أنه لم يخرج معه إلى
آسك. ونظرا لمواقفه الجدلية مع الخوارج ولحركته النشطة في نقد سلوك
الأمويين بابتعادهم عن منهج الخلفاء الراشدين ظهر بمظهر الزعيم ونسبت إليه
الإباضية من قبل الأمويين ولم يعترف الإباضية بهذه التسمية إلا في وقت
متأخر بعدما انتشرت على ألسنة الجميع، فتقبلوها تسليما بالأمر الواقع عند
الآخرين. ولذا فهو يعتبر أحد أئمة الإباضية السياسيين حيث وقف معارضا
بلسانه وقلمه لسلوك الأمويين ولم يشهر سيفه ضدهم إلا دفاعا عن الكعبة
المشرفة مع عبد الله بن الزبير
ويقول الدكتور عوض خليفات : (إن المصادر الإباضية تُجمع على أن ابن إباض لم
يكن إمامهم الحقيقي ومؤسس دعوتهم وإنْ كان من علمائهم ورجالهم البارزين في
التقوى والصلاح)ولكونه يتبنى موقف المعارض للدولة الأموية نسبت إليه كلمة
الخوارج كما نسبت إلى كل من عارض الدولة الأموية ومن ذلك أيضا نسبت
الإباضية إلى الخوارج. والإباضية أبعد ما يكونون عن الخوارج ولا يجمعهم مع
فكر الخوارج إلا إنكارهم للتحكيم ومعارضتهم للحكم الأموي.
ولأن عبد الله بن إباض كان يمثل إحدى جبهات الرفض السياسية للدولة الأموية.
فلم ينل المذهب الإباضي شهرة في دنيا المذاهب كشهرة الأئمة الأربعة لموقفه
تجاه الدولة الأموية وموقف الأمويين تجاهه وتجاه أتباعه، لأن أمراء
الأمويين والعباسيين حاربوا مذهبه وأتباعه، وحالوا بين الناس وبين معرفة
حقيقة الإسلام.
5-أبو
بلال مرداس بن حدير:
هو مرداس بن حدير ويكنى بأبي بلال. ينتمي إلى قبيلة بني تميم التي كان
يتزعمها الأحنف بن قيس، وقد شهد معركة صفين مع الإمام علي هو وأخوه عروة
وفارقه مع أهل النهروان بعد التحكيم وكان من العدد القليل الذين نجوا من
القتل في معركة النهروان. قال عنه ابن الأثير: (كان مرداس عابدا مجتهدا
عظيم القدر وكان لا يدين بالاستعراض ويحرم خروج النساء ويقول لا نقاتل إلا
من قاتلنا)
ويظهر أنه لم يكن مرتاحا لما حدث من خلاف وفتنة بين المسلمين وصعق لِما حل
بأصحابه من قتل وتشريد على أيدي إخوانه المسلمين ورأى أن القتال بين أتباع
العقيدة الإسلامية أمر لا يصح, فانسحب مع نفر من أصحابه وأقام بالبصرة تحت
حماية الأحنف بن قيس الذي كان يمتاز بحكمته وسداد رأيه، وفي ظل هذه الحماية
أخذ أبو بلال ينشر آراءه وأفكاره مؤثرا طريق النقاش والإقناع بدلا من طريق
الحرب الذي سلكه الخوارج، فدعا أتباعه ألا يجردوا سلاحا ولا يقاتلوا أحدا
إلا إذا تعرضوا للعدوان فأنكر قتل المخالفين واستعراض الناس على طريقة
متطرفي الخوارج. وكان مما ساعده في نشر أفكاره هو تسامح زياد ابن أبيه والي
العراق في ذلك الحين معه ومع جماعته لأنهم لم يحاربوه كما فعل الخوارج. وقد
أنكر الخوارج قعود أبي بلال وجماعته عن الثورة ضد ولاة الأمويين فلقبوهم -
احتقارا - بالقعدة، أما أهل البصرة فكانوا يسمونهم الحرورية
وقد نشط أبو بلال في البصرة لنشر دعوته وأفكاره وكان يعقد المجالس
والمناظرات لإقناع الناس بآرائه، فانضم إليه عدد كبير من الناس وازداد
عددهم حتى بنوا مسجدا خاصا لهم بالبصرة. وبلغ من حسن سيرته أن جميع الفِرق
التي خرجت على الدولة الأموية تتولاه بما فيهم الأزارقة والنجدات والشيعة،
ولعل ذلك يعود إلى أن تلك الفِرق جميعا كانت هي التي تسمى بالمحكمة قبل أن
تنقسم.
كان أبو بلال ملازما لجابر بن زيد يأخذ من علمه ويستشيره في أموره ولا
يقطع شيئا دونه حتى قيل أنه ما كان يصبر على فراقه فقد كان من تشوقه إليه
أنه يخرج من عند جابر بعد العشاء ويأتيه قبل صلاة الصبح فيقول له جابر لقد
شَقَقْتَ على نفسك فيرد عليه أبو بلال : والله لقد طال ما همت نفسي بلقاك
شوقا إليك حتى أتيتك. وهذا يبين مدى الصلة الفكرية والروحية التي كانت تربط
أبي بلال بالإمام جابر ويذكر مؤرخو الإباضية أن أبا بلال كان لا يبرم أمرا
إلا بمشورة الإمام جابر.
وعندما تولى عبيد الله بن زياد إمارة العراق سنة 55 للهجرة اتبع سياسة
جديدة مختلفة عن سياسة والده تجاه القعدة فاشتد في طلب الخوارج واستعمل
القسوة مع كل المعارضين سواء كانوا من القعدة أو من الخوارج ورفض الشفاعة
في أي واحد منهم، ورغم كل هذا كان أبو بلال يقول كلمة الحق ولم يخش في الله
لومة لائم.
كان من نتيجة الاضطهاد الذي مارسه عبيد الله بن زياد ضد المسلمين أثره
الكبير في نفس أبي بلال فقرر أن يترك البصرة إلى مكان آخر أملا أن يأمن شر
ابن زياد وأن يدعو إلى فكره في مكان آخر فقال لأصحابه: (إنه والله ما يسعنا
المقام بين هؤلاء الظالمين تجري علينا أحكامهم. والله إن الصبر على هذا
لعظيم، وإن تجريد السيف وإخافة السبيل لعظيم ولكننا ننتبذ عنهم ولا نجرد
سيفا ولا نقاتل إلا من قاتلنا). فخرج من البصرة
كان لمقتل أبي بلال صدى عميق في نفوس أصحابه وآثار نقمة شديدة ضد ابن زياد
فقد كان بسلوكه وعمله واستشهاده المثل الأعلى لأتباعه فرثاه كثير من
الشعراء منهم.
بعد استشهاد أبي بلال تزعم عمران بن حطان القعدة وكان محدثا وعالما وفقيها
وشاعرا. فسار على منواله في نشر دعوته وكان مثله في إنكار الاستعراض وتحريم
أموال المسلمين ودمائهم. وفي هذه الفترة احتل عبد الله بن الزبير البصرة،
وشعر عمران وأتباعه بنوع من الأمن تحت حكم ابن الزبير فاتجه مع أتباعه
للدراسة والتعمق في الدين والدعوة في هدوء وسكينة. واستمر ذلك حتى عاد
العراق من جديد إلى حكم الأمويين وتولىّ الحجاج بن يوسف ولاية العراق.
فاشتكى الحجاج إلى عبد الملك بن مروان من نشاط عمران وجماعته واستأذنه في
التصرف تجاه عمران وأصحابه بحجة أن عمران قد أفسد عليه أهل العراق. وبذلك
بدأت مرحلة جديدة من التضييق على الإباضية. فقام الحجاج بحبس عمران ثم
أطلقه في محاولة لكسب القعدة والتفرغ لمحاربة الخوارج من الأزارقة
والنجدات. وبعد خروج عمران بن حطان من سجن الحجاج حدث نقاش حاد بين شيوخ
القعدة فكان فريق منهم يرى الثورة على الحكم الأموي وفريق آخر يرى
الاستمرار في الدعوة بالطرق السلمية وانتهى الجدال والنقاش أن انقسمت
القعدة إلى فرقتين : الصفرية وهم أتباع عبد الله بن الصفار وكانت ترى
الخروج والثورة ولكنها لم تكفر من قعد كما فعل الأزارقة، والإباضية وهي
التي فضلت الاستمرار في القعود والتربية والدعوة إلى أن يأذن الله. أما
عمران فيبدو أنه قد استاء من النتيجة التي انتهى إليها الجدل بين جماعته
وقرر ترك البصرة، وأخذ يتنقل بين أحياء العرب حتى استقر أخيرا في عمان حيث
بقي هناك حتى مات رحمه الله.
اختلف
الإباضية مع غيرهم في العقائد , و هذا ليس تهاونا منهم , أو أخطاءً , إنما
كل حسب اجتهاده , و هذا ما جعل الكثير , للأسف , يعتبرون الإباضية خوارج و
ضالين , و سأحاول أن أعرض لكم هنا عقائد الإباضية , دون شرح مفصل , و
ستجدون تفصيلا أكثر عن هذه العقائد في صفحة المقالات.
1- التوحيد: هو الإقرار و الاعتقاد الجازم
بأن لا إله إلا الله , فالله عز وجل هو المالك الوحيد الخالق لهذا الكون ,
و هو المنفرد بالوحدانية و الألوهية ليس كمثله شيء , و أن محمدا رسول الله
, خاتم الأنبياء و أن رسالته حق على العالمين .
2- الصفات الإلهية :
هي ذاته ,
بحيث لا يجوز الفصل في تلك الصفات التي هي أزلية قديمة و غير محدثة , و إلا
وقعنا في الدور , و هو توقف كل واحد من الشيئين على الآخر .
3- الإيمان :
هو قول
باللسان و تصديق بالقلب , و عمل صالح بالجوارح , إن الإباضية لا يجيزون
الفصل بين القول و العمل , فالدين و الإسلام , و الإيمان , أسماء لشيء واحد
, و هو طاعة الله عز وجل , و تطبيق شريعته , عقيدة و عملا في حياة المسلم
المؤمن.
لنتأمل قول الحق : ’’ يا أيها الذين آمنوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون , كبر
مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ’’
’’ و العصر , إن الإنسان لفي خسر , إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و
تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر ’’
4-
نفي رؤية الله :
إن الإباضية يجزمون بامتناع رؤية
الله في الدنيا و الآخرة , اعتمادا على الأدلة الشرعية و العقلية , بحيث لو أمكن
رؤية الله , لكان جسما متحيزا موجودا في مكان ما ,
و هذا تجسيم و تجزئة لصفات الله , يقول الله عز و جل : ’’ لا تدركه
الأبصار و هو يدرك الأبصار ’’
فالرؤية قد تكون بغير البصر , يقول الله عز و جل : ’’ أو لم ير الإنسان
الإنسان أنا خلقناه من نطفة ’’ , و إنما يعني بهذا
العلم و اليقين , و لا يريد بهذا الرؤية الحسية البصرية , و الحقيقة , أن
هذا موضوع عريض اختلف فيه كبار العلماء , و ستجدون
شروحات أكثر فيه في كتاب : الحق الدامغ , لفضيلة الشيخ العلامة : أحمد
الخليلي , و كذلك في صفحة المقالات.
5- حرية الإنسان :
إن
للإنسان حرية الإختيار المرتبطة بالكسب , أي أن للإنسان قدرة نسبية على
الفعل , الله عز و جل هو الذي خلق فيه القدرة , فليس هناك أي تعارض بين
إرادة الله الخالقة لكل شيء , و كسب الإنسان , فالله يعذب على المقدور .
يقول الله تعالى : ’’ لا يكلف الله نفسا إلا و سعها ’’
6-
العدل و الوعد و الوعيد :
إن قضية العدل و الوعد و الوعيد مرتبطة بعدالة الله المطلقة
,
بحيث يأخذ كل ذي حق حقه , فالله سينفذ وعده : الجنة , ووعيده : جهنم , في
حق
المؤمن و الفاسق و الكافر , و من هنا , فإن المؤمنين ,
سيخلدون في الجنة , لقول
|