((فهمت حق الفهم اخواننا الميزابيين,عنصرا,ومذهبا,وأخلاقا,وسيرة,فاذا بهم
من أكرم العناصر,ومن أزكى المذاهب,ومن أكمل الأخلاق,ومن أحسن السير,.....)). |
(( يمازحني بعض الاخوة فيقولون:اننا نراك تحب أهل ميزاب أكثر من حبك
لغيرهم من الجزائريين,يدل على ذلك ترددك على واديهم أكثر من ترددك على
مناطق البلاد الأخرى,ويبالغ بعض هذا البعض في المزاح فيقول لعلك على مذهب
القائل:
و ما حب الديار شغل
قلبي
***
ولكن حب من سكن الديار
أو على مذهب القائل :
أذني لبعض الحي
عاشقة
***
و الأذن تعشق قبل العين أحيانا
و أرد قائلا : ما أبرئ نفسي من حب اخواني في ميزاب ,بل اني أعترف بأنني
أحبهم حبين , حب المسلم لأخيه المسلم ,وحبا لأنهم أهل لذلك.
فحبي لاخواني في ميزاب ليس هو ذلك الحب الذي يعمي ويصم حتى يصل الى درجة
حب ذلك الأعرابي الذي أحب امرأة سوداء ,ليس فيها ما يحب
فلما لامه اللائمون جادل عن نفسه يقوله:و أحبها حتى أحب لحبها سود الكلاب
.وليس هو كحب الأعرابي الآخر الذي انتقلت عدوى حبه حبيبته الى
بعيره الذي أحب ناقة حبيبته فقال:
وأحبها و تحبني
***
و يحب ناقتها بعيري
و لكنه حب يحكمه العقل الرصين ,ويهيمن عليه التأمل الدقيق ..فاذا أحببتهم
أكثر من غيرهم فلأنني أجد فيهم كثيرا مما لا أجده في مناطق كثيرة
من وطني ,أجد فيهم الأدب الرفيع ,والخلق السامي , والأصالة الجزائرية
لباسا و أناتا و عبارة.
أجد فيهم-و هم الأمازيغ الأقحاح- غيرة على العروبة لا أجدها في موطن
العرب الأصلي ,وأسمعهم يتحدثون بلغة يعرب فاذا هم في فصاحة اللسان أفصح
من قحطان و قد زادهم حبهم لها عزا الى عزهم, حتى قال قائل منهم ,هو
المرحوم صالح خرفي :
و لكن حرف الضاد في
لهواتنا
***
يأبى لغير العز أن يتضرعا
أجد فيهم المساواة الاسلامية في أجلى صورها ,بحيث لا يميز المرء بين أكبر
الأساتذة الاختصاصيين في شتى مجالات العلم و بين أبسط رجل منهم حتى
عربي
اللسان.
أرتاد مساجدهم فأجدها نظيفة ,نقية,خالية من الزخارف التي تلتهم الأموال و
تشغل البال,و أجدها عامرة بالشباب قبل الشياب,يعمها الهدوء فلا صخب و لا
مكاء و تصدية,و اذا تكلم الامام أو أي محاضر رأيت الآذان مرهفة ,و
الأصوات خاشعة ,و الأعناق مشرئبة و القلوب واعية,والعقول يقظى. أتجول في
شوارع مدنهم فلا أسمع كلاما بذيئا يخدش الحياء ,ولا أغاني تافهة تجرح
الكرامة ,و أمد خيني يمنة و يسرة فلا أرى كاسيات عاريات على
رؤوسهن كأسنمة البخت ,و لا أرى خمورا و لا فجورا و لا مخنثا ,ولا مسترجلة
,قد علم كل طبيعته و دوره.
أحضر مجالسهم فاذا علماؤهم في صدرها,و أسمع المناقشات العلمية
المفيدة,والحوارات الفكرية الثرية ,والمذاكرات الأدبية ,والطرائف
المليحة..يذوقون النكتة و يصنعونها ,تهزهم الكلمة الجميلة شعرا أو نثرا .
ان التكافل بينهم حقيقة و ليس شعارا ,اذ لم أجد ,على كثرة ترددي عليهم
,متسولا,فمحاوجهم يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف,و لهم على المجتمع حق
معلوم يأتيهم الى بيوتهم.تحضر أعراسهم و أفراحهم فلا تشاهد عريا و,ولا
اختلاطا ,ولا رقصا ,ولا غناءا و انما هي أناشيد تشدو بها بلابل ,تتغنى
بالوطن المفدى ,وتحض على الأخلاق السامية ,وتمجد العفاف ,وتحبب الى
النفوس الجمال ,وتسبح من خلق الجمال.
أعلم أن هؤلاء القوم ليسوا ملائكة ,فهم بشر مثلنا يأكلون الطعام و يمشون
في الأسواق و يقترفون الآثام ,ولكنهم لا يجاهرون بها ,فاذا استحوذ
الشيطان على أحدهم و جد في وجهه نظاما اجتماعيا مستمدا من الاسلام ,فقوطع
حتى يعترف بذنبه ,و يتعهد ألا يعود لمثله...
وددت لو أن قومي من تلمسان الى تبسة,ومن برج الكيفان الى برج باجي مختار
على هذه الصورة الجميلة التي كانوا هم أيضا عليها .و لكن فرنسا الفاسدة
أفسدتهم و أنجى الله الوادي المبارك من فسادها ليكون شاهدا على ما كنا
جميعا عليه ,وليكون دليلنا في عودتنا الى ما كنا عليه.و تحية طيبة مباركة
الى اخواني في ميزاب الذين بادلوني حبا بحب.))
((السبت 21 جانفي 2003-23 ذو القعدة 1424هـ - العدد: 81 من جريدة
البصائر))
|